كان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، يعرف بالضبط ما كان يفعله عندما دعا البابا فرنسيس لزيارة دولة الإمارات العربية المتحدة لافتتاح (عام التسامح). والزيارة البابوية التي استمرت 3 أيام، هي الأولى من نوعها خلال 1400 سنة الماضية من التاريخ الإسلامي. ولم يسبق أن تمت دعوة الحبر الأعظم من قبل زعيم مسلم لزيارة شبه الجزيرة العربية التي تستضيف أيضاً أقدس المواقع الإسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
كما أن الزيارة لم تجرِ في الظل، بل أقام البابا قداساً كبيراً أمام أكثر من 180 ألف شخص من سكان الإمارات في مدينة زايد الرياضية، في تجمع مثّل أحد أكبر التجمعات العامة في تاريخ الدولة، وقد تم بثه على الهواء مباشرة في جميع أنحاء العالم الإسلامي، على غرار زيارة البابا لمسجد الشيخ زايد الكبير واجتماعاته مع مختلف الزعماء الدينيين من جميع أنحاء العالم، والذين اجتمعوا على أرض الدولة للاحتفاء بزيارته. هذا وقد تزينت شوارع أبوظبي بأعلام الإمارات وأعلام الفاتيكان.
وفي رسالة عميقة للعالم الإسلامي، استُقبل البابا فرنسيس لدى وصوله العاصمة أبوظبي من قبل شيخ الأزهر،  أقدم وأعرق مؤسسة للتعليم الإسلامي في العالم العربي كله، كما أن أن زيارة الحبر الأعظم لدولة لإمارات تحمل آمالاً في حقبة جديدة من التسامح الديني في الخليج.
كل هذه الجهود لها هدف واضح، هو التأكيد على عهد جديد في العالم العربي لجيل جديد ضاق ذرعاً بالإساءة لدينه من قبل المتطرفين.
وقد أشار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، إلى ذلك الهدف بعبارات واضحة عندما قال: «إننا نحتاج أن نتعلم التسامح ونعلمه ونمارسه، أن نرضعه لأطفالنا فكراً وقيماً وتعليماً وسلوكاً.. تعلمنا ذلك من مئات الآلاف القتلى وملايين النازحين والمنكوبين الذين رأيناهم خلال السنوات الخمس الأخيرة في هذه المنطقة بسبب التعصب والكراهية وعدم التسامح الطائفي والفكري والثقافي والديني. لا يمكن أن نسمح بالكراهية في دولتنا».
وقد أخبرني مؤخراً الدكتور زكي نسيبة، وهو عضو في الحكومة، أنه لا يكفي الحديث عن مفاهيم مجردة، مثل الأخوة البشرية والتعايش السلمي، بل علينا أيضاً أن نفعل شيئاً حيال ذلك.
وثمة الكثير من هذه الأعمال التي يجري القيام بها، لكن مما أثار انتباهي أيضاً إعلان معالي نورة الكعبي وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة، بأن الإمارات ستقوم بإعادة بناء كنيستين دمرهما «داعش» في الموصل بالعراق، وكانتا بجوار المسجد الكبير حيث أعلن البغدادي قيام دولته المزعومة. وتمثل إعادة بناء تينك الكنيستين عملاً تضامنياً عميقاً مع المجتمع المسيحي المحاصر في العراق، وإظهاراً لانتصار السلام على الإرهاب الذي دمر العراق قبل بضع سنوات.
ولطالما كانت الإمارات منارة للانفتاح والحرية والتسامح في العالم الإسلامي، لكن أحداث هذا الأسبوع أخذت جهودها إلى مستوى قياسي جديد، لتجسد أروع مثال على القيادة العميقة في وقت مضطرب، وهي تستحق الاحتفاء بها من قبل العالم بأسره، كما أنها تستحق الانتباه من لجنة «نوبل».

*القس الأميركي ورئيس مؤتمر القادة المسيحيين ومفوض اللجنة الأميركية للحرية الدينية الدولية